تحريك النَّص
قصة قصيرة
أ. جابر 

Tahrik An-nas (Qisas Qisirat)

Dιbut

Entrιe au
salle d'exposition

Tendjibaye l'artiste

Ahmed Jabear
l'ιcrivain

Section
Recherche

Problθmes

Solutions

 

قال: لو كنت أتحدث إلى شخص غيرك لوجدتني مضطراً على إن أقسم، وكأني أريد إجبار سامعي على تصديق ما سأرويه… أمَّا أنت فإليك القصة باختصار. 

في طفولتي أحبتني امرأة عانس، لم تدم العلاقة طويلا بعدها تزوجت تلك العانس وصارت العوانس يتقربن إليَّ ويتوددن وما أن يستضيفني حضن عانس حتى تتزوج ثم تظهر أخرى، وخلال مدَّة قصيرة تزوجن عوانس النَّزل وما جاوره… صار اسمي على لسان كل بنت… كان عمري لا يزيد عن تسع سنوات، كنت أقضي أسابيع أتنقل من دار إلى دار بدعوة من أمَّهات البنات، كنَّ يُقدمن لي بناتهنَّ قبل الطعام والشراب… لم أكن أعرف للمرأة شيئاً، كل ما أبحث عنه هو أن أحظى باهتمام الجميع وأن أعامل كما يعامل الكبار

كان في دار من دور النزل صبيَّة لجمالها يتفنَّن حتى الكبار في تسميتها: الشوقارة، الصَّيدة، دهب مكَّة، النجماية، ألقاب لا عد لها… كنت استلطفها وتستلطفني، كنت أميل إليها كثراً وتميل إليَّ… كنت أقطع المسافات لأجلب لها ثمار القضيم والجوغان والحميض والنبق وكانت تحرص على جلب حطب النار لجدتي، كنت أنظر إليها وتبتسم لي… كانت أمَّها الَّتي أقل جمالاً منها، لم تقدم لي دعوة إلى دارها كما يفعلن جميع الأمهات، لكنها تشاركها الشُّعور تجاهي… في ذات يوم كانت أمَّهات البنات عائدات من المورد فاستوقفتني أمها قائلة: ماذا تسمي بنتي ؟ قلت بدون تفكير: "قبلة القلوب". ومن يومها صار الجميع يناديها القبلة

ظلَّ دور (الفكي) شاغر في نزلنا لمدَّة طويلة إلى أن ظهر رجل أرمد يمتطي حمارة هزيلة. أذكر تماما عندما نزل الرجل عندنا ضيفاً كان فصل الخريف عند بدايته… طيلة ثلاثة أيام لم يتحدث الضيف إلى أحد وفي صبيحة اليوم الرابع استيقظ الجميع بما فيهم البهائم على صوت آذان الرجل… قلَّة هم الَّذين حملوا أباريقهم وانضموا أليه… هنيهة، بدأ الرجل يُرسل اللعنات ويطعن في إيمان الناس بكلمات لا يفهمها أحد وبلكنة غير معتادة… أجبرت كلماته الجميع على الخروج من بيوتهم بما فيهم النِّساء والأطفال… قبيل صلاة العصر هطل مطر أسود قال الكبار أنَّهم لم يعرفوا مثله منذ عشر سنوات… اضطرت جدتي أن تسأل الرجل العفو نيابة عن أهل النَّزل… هكذا فرض الرجل نفسه (فكياً) يُفتى ولا يُعارض، يسأل ولا يُرد، وصار يلقب بـ(سيدنا) وصار له حق العشور والزكاة وجلباب جديد لصلاة العيد، يخدمه الكبير والصغير ويُؤمن له على العرض والمال… 

كنت أعرف أن سيدنا يكرهني وكان يعرف أنَّني لا أحبه… ذات يوم بعد صلاة المغرب جمع أمهات البنات ومنعهنَّ اصطحابي إلى بيوتهنَّ وهددني بالضرب والطَّرد من النَّزل إن رآني أقف مع بنت أو امرأة وألحق صفة الكفر على كل من يراني ولم يبلغ عني وأمر أم القبلة أن تذبح خروفاً تاماً ليعيد تسمية بنتها… وكان سيكون له ما أمر لو لا حنكة جدَّتي… عملياً كان الجميع يقف إلى جانبي أما ظاهرياً فلا أحد يجرأ على مواجهة سيدنا 

كنت من بين الأطفال الذين يعرفون سلوكيات سيدنا مع النساء وقد كان حظه معدوماًُ معهنَّ… بينما كنت أبحث عن ثمرة الفايو للقبلة رأيته في وضع حرج مع حمارته وقد أوثقها على شجرة من الخلف والأمام… 

بعد حادثة الحمارة صار سيِّدنا يأمرني أن أنام ليلاً بجواره حيث ينام ويوقظني قبل أن يُأذِّن على الناس لصلاة الفجر، كنت أشعل النار وأدفئ له ماء للوضوء… في ذات فجر باكر تركت الماء يغلي جيداً وانتظرته… ذهب يتبول وطلب إليَّ كعادته أن ألحقه بالماء الدَّافئ… رأيت سيدنا يقفز وكأنَّ حيَّة لدغته في آدمه، رمى الإبريق وتطاير الماء الفائر. أراد ضربي ولكن ما يحس به من ألم جعله أضعف من أن يُجسَّد إرادته… أمرني أن أنادي على النَّاس للصلاة… ظللت أكرر التَّكبيرة حتى استوقفني ساباً إياي بألفاظ لم أكن أتوقع أن يتفوه بها سيدنا… لم يحضر لصلاة ذلك الفجر إلا جدَّتي الغائب الحاضر الشَّاهد على كل صغيرة وكبيرة…

قال لجدتي إنَّه وجدني أفعل الفاحشة على حمارته… استجوبته جدتي عن زمن وقوع الحادث فأجابها أن الفاحشة وقعت قبل قليل… استغفرت جدَّتي مراراً وقالت له إنَّ كل حمير النَّزل حجزها المزارعون لأنَّها دخلت مزارعهم وأتلفتها… 

مرَّت أيام انكفأ خلالها سيدنا على نفسه ونعمتُ بقدر من الحرية. كانت الفصول تذهب وتأتي مسرعة وكأنَّ الأيام والليالي تطارد بعضها… الزَّمن بحركته الدائرية حاضراً على البهائم والناس… البهائم التي كانت صغيرة بالأمس، الذُّكور منها يُذبح أو يُخصَّا ونادراً ما يُباع لقضاء حاجة، والإناث منها يُحرص عليها لتلد. أما الناس، أطفال الأمس، البنات تزداد صدورهن وأردافهن نتوءاً وأصواتهن نعومة والأولاد تغلظ أصواتهم وتقسو تعابير وجوههم يوم بعد يوم… الأشجار تخضر لتتعرى والحشائش تموت قحطاً وتنبت والطيور تهاجر لتعود والحشرات تظهر لتختفي… الجميع مستسلم للزمن في لعبته الدائرية اللانهائية… وسعيد من تبتسم له القبلة، الشِّباب يتسابقون على خدمة أمِّها… أشيع أن أمها تقول من أراد أن يتزوج ابنتها عليه أن يأتي بخبر أكيد عن والدها الذي انضم إلى جيش الثَّورة… صاحب تلك الإشاعة اهتمام الشباب على اقتناء الجياد والأسلحة البيضاء ونظم أغاني الهيام… كلما استسلموا للزمن ازدادوا قلقلاً وتوتراً وقسوة… 

تجاوز موسم الخريف نصفه الأول بقليل… بعض الرجال ذهبوا في حملة صيد الفيلة ومن تخلف فهو في شغل شاغل مع البهائم… مواجهة المزارعين في حال حدوث تجاوز ما، تحتاج إلى شجاعة لا تقل عن الشجاعة المطلوبة لمواجهة الفيلة… إنَّ غياب الرجال وانشغالهم فرصة مناسبة للنساء لجمع وتحصيل خيرات الخريف من أرز وكريب وستّيب… إنها معركة البقاء والاستمرار اليومي، لا شيء يستطيع أن يُعطِّل إيقاعها إلا الزمن… 

لاحظت حالة من القلق وعدم التركيز لدى جدَّتي… رأيتها في أكثر من ليلة تستيقظ من نومها وترش اللبن على النار التي تحرص أن تبقيها موقدة وهي تقول: "يا رحمان بجاه الأنبيا والولايان بجاه جدودنا فلان وفلان وعلان هو إنس ولا جان". تيقنت أنَّ ما يشغل بال جدَّتي أمر خطير تحاول منع حدوثه… 

في تلك الليلة، قبل نزول الدمعة الحامية، تسللت أمُّ القبلة إلى دارنا وأحسست أنَّ جدَّتي كانت تنتظرها، تناومت مرخياً كل حواسي. جلست المرأتان إلى بعضهما طويلاً، كانتا تتحدثان همساً… ختمت جدَّتي الهمس قائلة "الله إخير منه… ما تخلي حشاكي يغيب من عينكي"

أيقظتني جدَّتي باللمس وهمست في أذني أن أذهب لأنام عند خالتي. في الطريق، برفقة خالتي أمُّ القبلة، في تلك اللحظات، توقف عقلي عن التفكير، كنت ماشياً وكأنَّني لا أمشي، كنت أرى كل شيء لا شيء، كنت أسمع عقلي يزن ودقات قلبي تتناقص قوة وسرعة…

عندما وصلنا، تناولت خالتي تنكة الماء الموضوعة بجوار النار… غابت وراء البيت ثم عادت برفقة القبلة… تراصصنا ثلاثتنا على السرير الجريدي المضفور بالسيور وغطتنا الخالة بثوبها… لا شيء يفصلني عن القبلة. كانت أنفاسها الدافئة تُزيدني قلقاً وخوف… لو الحال خلاف ما هو عليه لبادرت بالاقتراب منها وجعلت جسدي يلامس جسدها وربما تجرأت أكثر ومددت يدي إلى صدرها… تلك عادة علمتني إياها العوانس… أنا ولد شقي ونحس، كالسخل، هكذا كان يصفني سيدنا.

لم استطع النوم وآثرت ألا أتحرك خوفاً أن تظن بي الخالة سوءاً… تصلبت في رقدتي وحبست أنفاسي… أحسست أنها نهاية أحداث الدنيا وأنَّ الحياة ستتوقف هنا… إنَّها لحظة قيام القيامة… بدأ ذهني يعود إليَّ والأحداث تكشف عن نفسها لتراها عيوني… سحبت الغطاء عن وجهي وتركت عينيَّ تنفتحان على اتساعهما… خلصت إلى أن خطرا يهدد القبلة وأن مصدر هذا الخطر لن يكون غير سيدنا… طفت على سطح ذاكرتي حكاية " زي والغول "… استعدت أحداث الحكاية كما روتها لي جدَّتي: "زي بنت جميلة يعجز الناس عن وصف جمالها… في ليلة عرسها وهي على فراش الدُّخلة، خطفها الغول من أمام ابن خالتها… ركب ابن خالتها جواده البيدي، وعلى يده سيفه مسلول وحول ذراعه سكينه الطَّويل، كلما دنى من الغول تحوَّل الغول إلى ريح، مطر أو سراب… سبع سنين بأيَّامها ولياليها، بين كل سنة وسنه بحر وعلى جرف كل بحر ثعبان له سبعة رؤوس… الغول ريح، مطر أو سراب ووليد الخالة بسيفه يجثُ رؤوس الثعابين مثل الفقوس الرَّخص…" تغلَّبت رغبة البكاء على ما فيَّ من رجولة فعدت طفلاً اختلطت على وجهي الدموع بالنَّخاخيم… تنهدت وسحبت النُّخامة… أحسَّت بيَّ الخالة وسألتني إن كنت أبكي… ازدادت تنهداتي قوَّة حتى اهتزَّ السرير… طلبت إليَّ الخالة أن لا أبكي لأنَّ البكاء من صفة النَّساء… صمتنا برهة وبدأت تعود إلى دمي غريزة الفحولة… طلبت إليَّ الخالة أن أكون رجلاً لأحمي أختي القبلة، فليس لها أحد غيري… ولَّدت فيَّ تلك الكلمات قدراً من الفحولة الهمجيَّة… تململت القبلة في رقدتها واعتقدت أن حشرة قرصتها… سحبت القبلة شريط خدُّورها من على خصرها ووضعته على يدي وأغمضتها عليه جيداً وتركت يدها فوق يدي المغمضة على الخدُّور… مددت يدي الأخرى فإذا بيَّ ألمس مقدمة رأسها باتجاه وجهها… انقطعت أنفاسنا… أمررت يدي على وجهها، فعنقها، فصدرها… شيئان دافئان قاسيان أملسان كالحميضة النيِّئة وتركتُ يدي تنتقل بين طرفي اللحد… 

عندما استأذنت جدَّتي سيِّدنا للذهاب مع النسوة لجمع الأرز كانت السماء جبال من السحب الزرقاء المتحركة وكان رذاذ خفيف يتساقط كأنه يريد أن يغسل أوراق الأشجار والأعشاب الخضراء… أمرتني جدَّتي أن أتأخر قليلاً ثم ألحق بها… فهمت رسالتها، إنها تخطط لأمر تخفيه عن سيدنا … رأيتها والخالة تخفيان أغراضاً في صوصليهما وتبعتهما القبلة… تأخرت وتعمدت أن يراني سيِّدنا… ناداني سيِّدنا بنبرة صوت متحايلة… اقتربت منه وزففت إليه نبأ إنجاب حمارته جحشاً… لأوَّل مرَّة أرى الفرحة على وجه سيِّدنا… تدارك سيِّدنا الموقف وقمع صرخة فرح كادت أن تخرج من فمه… واختفيت…

كان النزل خالياً إلا من سيدنا والدجاج والكلاب وصغار البهائم… التفت فرأيت سيدنا يحمل إبريقه ويذهب في الاتجاه المعاكس و ألسنة الدخان تتصاعد من أمام كل بيت… استرجعت هذا المشهد عندما شاهدت فلماً عن محرقة اليهود في حقبة النَّازية… 

ليس من عادة جدَّتي أن تخرج مع النساء لجمع الأرز، وليس من عادة النساء أن يخرجن لجمع الأرز في الأيام الممطرة، لأنَّه كما تقول جدَّتي الجنون لا تخرج من الرهود أثناء المطر لذلك تكثر حوادث الغرق في مثل هذا اليوم… كنت أمشي وكأني أركض… أدخلت يدي في جيبي وأحكمتُ غبضتها على الخدُّور… 

كانت جدَّتي تعيد ترتيب الأغراض وتقسِّمها بين الصوصلين والنساء حولها دموع الحرقة على خدودهن… أمرتني جدَّتي أن أتقدمهنَّ وأسير في اتجاه مستقيم… أمرتنا جدَّتي أن نسرع فلعل المطر يخفي آثار أقدامنا… كنت أمشي مهرولاً… إنه كرنفال الوداع وأنا مفتاح السَّعد في رحلة ابن بطوطا… 

عندما اعترضنا الوادي، أوقفتنا جدَّتي وغابت عنا باتجاه مجري الماء… أين يذهب هذا الماء العكر بكل هذا الحطب… الجن تسكن الماء أثناء الخريف والأشجار الظليلة أثناء الصيف، هم بشر لكنهم ملعونون لأنَّهم استحموا باللبن. هكذا تقول لي جدَّتي… وتحولت كل قطعة حطب إلى جنّ… 

عادت جدَّتي وبيدها غصن أملس طويل وقد طوت حزامتها حتى بان أعلى وركها… ازداد تنهد وبكاء النساء وربما إلا القبلة وأنا لم نكن نعرف تفاصيل ما يُبكي… تقدمتنا جدَّتي ومشينا خطوات… توقفت فتوقفنا، وضعت جدَّتي صوصلاً على رأسها وأخذت الخالة الصوصل الآخر… علا بكاء الحرقة بلا دموع… أمرتني جدَّتي أن أتقدمها ثلاث خطوات داخل الماء، تبعتني وتلتها القبلة فالخالة. عند الخطوة الثالثة أوقفتني جدَّتي وأمرتني أن أثبت بلا حركة في مكاني… حين تجاوزتني القبلة، بدأت أبكي فقالت لي الخالة بصوت يقطِّعه البكاء أن لا أبكي وعندما أكبر وأصبح رجلا عليَّ أن أبحث عن أختي القبلة… كانت جدَّتي في المقدمة تقيس عمق الماء بالغصن الأملس الطويل وكان اندفاع تيار الماء قويَّاً لم تقو القبلة على مقاومته، تعالت صرخات الاستغاثة من أجلها فازددتُ تصلباً في وقفتي… عند منتصف المسافة حملتها جدَّتي على ظهرها وعبرت بها إلى الطرف الآخر… 

تفرقنا مثنى وثلاث، وفي الطريق عرفت من جدَّتي أنَّ القبلة وخالتي لن تعودان وعليَّ أن أكتم السِّر وإن أردت رؤية القبلة علي أن أبحث عنها عندما أكبر وأصبح رجلاً… طلبت إليَّ جدَّتي أن أسبقها إلى النزل وأن لا أظهر أمام سيدنا… 

قالت جدَّتي لسيدنا: مخير في خلقه، المسكينه تِدور تنجي حشاها ومشت معاها. المكتوب في الصف لابد بكون. الميت في الألمي بكانه الجنة. مِيتِتهم أنعرفت ومِيتِتنا ما معروفة. سبقونا باليوم. 

ساد النزل حزن حقيقي ذاك المساء، لم تُوقد ناراً ولم تُحلب بقرة حتى سيدنا لم يُأذِّن لصلاة الفجر… في صبيحة اليوم التَّالي أمرت جدَّتي الجميع بفكِّ حالة الحزن فعادت حياة النزل إلى شبه طبيعية…

أجبرني مرض مفاجئ أن ألزم الفراش بضعة أيام، وكانت الأسئلة التي لم أجد لها أجوبة تزيد مرضي مرضاً: متى أكبر وكيف أصبح رجلاً ؟ أين الرجال ؟ لماذا لم يتدخل أحداً ؟ ألا يوجد من بين هؤلاء الرجال من يقتل هذا السيدنا بسيفه أو حربته ؟ لماذا لا يطردوه من النزل ؟ ما فائدة السيوف والحراب والسكاكين ؟

توقف المطر في غير توقيته وعرفنا موجة حر شديد لم تبق على كلب ومن الدجاج إلا ديكاً واحداً لجدَّتي كفَّ عن الصياح من شدَّة المرض… 

اتخذ الجميع موقفاً من سيِّدنا، النِّساء يتقاذفنَّه بحديث مبطَّن والرِّجال يصلّون خلفه ويتعشون معه مُكرهين أما جدَّتي فلم تُغيِّر موقفاً، تحمل إليه الماء والأكل وتجلس إليه طالبة أن يُلقنها آيات للصلاة وشروط الطهارة وإن سُألت تقول: الرِّجالُ والرِّجالُ، والرِّجال أشجارُ، خذَ الثِّمار واترك الحطب للنَّار. وقد أصبحت مقولة جدَّتي هذه أغنية نرددها نحن الأطفال كلما خلونا إلى بعضنا… 

خلال تلك الأيام كنت أسمع النساء يتحدثن عن رجل اسمه " أبَّا ". سألت جدَّتي فنظرت إليَّ حتى أملتُ عنها وجهي وفي عصر اليوم التَّالي ذهبت كما أفعل كل يوم مسافة من النزل لأتفقد الخدُّور الذي خبأته، فإذا بيَّ ألمح رجلاً لم أتبين ملامحه جيداً وخلفه عدداً من الصبية والشباب… عدت راكضاً لأنقل الخبر إلى جدَّتي التي استقبلت كلامي بنظرة حادة… وجدت نفسي في موضع من يُتَّهم بالكذب… شارفت الشمس على الغروب… تعجبت لجدَّتي التي نشطت فجأة في حركة غير معتادة ... تفقَّدتْ أواني الأكل والشرب وما ادخرته من مؤونة… تدخل وتخرج… وعلا صوت آذان حلو لم نسمعه من قبل… هرولت جدَّتي وأنا من خلفها بالماء والبروش. فوجدنا رجلاً يؤم صبية وشباب فلحقنا جدَّتي وأنا بهم. بعد الصلاة، تبعتُ جدَّتي التي جلست قريباً من الرجل وسمعتها تناديه "أبِّا". وضع أبَّا يده على كتف جدَّتي وسلَّم عليها ثم قال لها فيما معناه: اسقونا من ماءكم وأطعمونا من طعامكم اليومي ولا تكلفوا أنفسكم وإلا سنرحل عنكم… 

لم يُذبح ذكر من البهائم كما يحدث عادة حين يعرف النَّزل ضيفاً أو حين يعود من كان غائباً، لكن حركة غير معتادة دبَّت أمام كل بيت وغطت رائحة البصل وسمن البقر فضاء النزل فامتنعنا نحن الصبية عن ممارسة طقس التِّعليلة الليلي ورابطنا مشكلين حضوراً صامتاً بالقرب من مكان ضيافة أبَّا… 

حضر كل من كان موجوداً من الرِّجال إلى مكان ضيافة أبَّا باستثناء سيِّدنا الذي تمارض طيلة فترة تواجد أبَّا… كانت حركة أكواب الشاي ومصُّ الشفاه ومضمضة الأفواه تكسر حدَّة الصَّمت الممزوج بالطاعة المتوارثة… أُحضرت الأطعمة من كل بيت وكانت جدَّتي سبَّاقة في مثل هذه الحالات… تقاطعت الأيدي وتصادمت بين آنية الطَّعام والأفواه وكان حظنا نحن الصِّبية وافر بفضل أبَّا حيث خصَّنا بأكثر من قدح والجريء منَّا حصل على كأس من الشاي… 

أبَّا رجل طاعن في السِّن تتعدَّد وتختلف حوله القصص والروايات: يحكى أن أبَّا وتلاميذه لا يمكثون في مكان واحد أكثر من ليلة أو يوم ولا يحملون ماء ولا طعام في ترحالهم وان ملابسهم البيضاء لا يغسلونها وإن حلوا ضيوفاً بنزل شفي كل من كان مريضاً. 

عندما أيقظتني جدَّتي فركت عينيَّ بقفا يدي فعدت من غيبوبتي وعرفت أنَّني كنت نائماً على رجليها. كان الصمت مسيطراً على المكان وكان الفضاء العلوي ممتدَّاً حتى السماء وكان مشهد القمر والنجوم يُطابق الحزورة: 
- حجيتوا بجيتوا !
- جيتن جيتوا 
- بقر أبوي كتيرين فحلهم واحد !
- دا القمره والنَّجوم
وتفقدت المكان سريعاً… كانت جدَّتي تجلس بالقرب من أبَّا والشَّباب والصِّبية في حالة موت مؤقت. وكان النَّسيم يحمل إلينا رائحة روث البقر والغنم. سمعت ذات مرَّة إحداهن وقد غاب بعلها خريفاً كاملاً تقول مثرثرة للأخريات: كنْ المطر صبَّ وجى الليل وشميت ريحة بعر البقر تجني الشَّهوة وما أقدر أنوم وأقود أشمشم سرواله القديم. 

رافقنا أبَّا بضع خطوات… عندما أكون في صحبة جدَّتي كانت تطلب إليَّ أن أتقدَّمها ولكنها تقدمتني هذه المرَّة فتبعتها… كانت خطواتها سريعة وجادة في غير عادتها وخاصة عندما أكون في رفقتها… أردتُ أن أتحدث إليها، ولو أنَّها تجاوبت معي ربَّما سألتها كيف أكبرُ ومتى أصبح رجلاً… 

مال القمر والنُّجوم إلى نهايات السماء وسُمعت عنجعنجة الثيران ومأمأة الخراف وشرشرة بول إناثها فحمحم بعض الرَّجال… جاء صوت الآذان من ناحية مكان ضيافة أبَّا فصاح ديك جدَّتي المريض صيحته المألوفة… انتفضت جدَّتي وأخذت معها ثوبها الَّذي كنَّا هي وأنا نتغطى به فتركتني أرقد كما ولدتني أمي… سمعتها تقول: الديك أُوآ بركتك أبَّا، الديك أُوآ بركتك أبَّا، الديك أُوآ بركتك أبَّا…

كنت أعرف ما ستفعله جدَّتي: ستذهب لصلاة الجماعة خلف أبَّا ثم تحلب بقرة أو بقرتين وربًّما ثلاث وتأخذ الحليب إلى أبَّا وتلاميذه ثم تعود لتُحضِّر الأرز بالحليب والسَّمن للإفطار. 

مذ غادرت القبلة وأمها نزلنا لم أنم نوماً هادئاً إلا تلك الدَّقائق المعدودة ولو لا صوت سدادة بخسة الحليب الرائب الَّتي طارت أثناء خضّ جدَّتي لها، ربما ما استيقظتُ قبل الظهر… خرجت عارياً وآدمي منتصب… كان عليَّ أن أبول فتجاوزتُ بخطوة أو خطوتين لا أكثر جدَّتي الَّتي كانت تخضُّ الحليب الرائب وترشف الحليب المغلي بالشاي … أوقفتني جدَّتي فأشرت إليها إلى آدمي المنتصب فأمرتني أن أبول حيث كنت. أثناء كنت أبول قالت لي جدَّتي لماذا لا أذهب مع أبَّا. انقطع بولي، دخلت، لبستُ وخرجت، مشيت… كانت قدماي تقود ذهني… تأملت صيغة سؤال جدَّتي لي: لماذا لا ! أعدت صيغة السُّؤال وقلَّبتها عدَّة مرَّات… أكملت بولي أثناء كنت أزيل التراب من على الخدُّور حيث خبأته

تطلَّب الحال بقاء الرجال مع أبَّا وأوكل أمر البهائم في ذاك الصَّباح للصِّبية والصَّبايا الَّذين هم في عمري… صلى أبَّا ركعتين منفرداً وسأل الفاتحة… وغاب الجميع بين الأشجار إلا أبَّا وجدَّتي وأنا… 

أخرجت جدَّتي صرَّة من تحت حزَّامتها وقبل أن تفتحها أمام أبَّا غمزت إلي بطرف عينها أن أبتعد، لم أتلق رسالتها فأمرتني أن أبدأ بجمع البروش والأواني… لم أتمكَّن من رؤية ما بالصُّرة لكني سمعت كشكشة كتلك الَّتي تسمع عندما يُضرب دفاً…أرسلتني جدَّتي أن أتأكَّد من وجود سيِّدنا… ذهبت وعدت راكضا لأبلغهما عدم وجوده… 

توقَّع أهل النَّزل أن يهطل المطر أثناء تواجد أبَّا وتمادت النِّسوة في توقعاتهنَّ فأحكمن الحبال شدَّاً حول بيوتهنَّ …انحصر مشهد الأعشاب والحشائش الخضراء تحت الأشجار وأطراف الرُّهود وبدت الأرض كلوحة لم يُحسن تلوينها…

تركنا أبَّا وجدَّتي وأنا النَّزل خلفنا… تجاوزنا حزام شجيرات وصعدنا مرتفعاً. كانت الشَّمس بارتفاع رقبة الزَّرافة فوق رؤوس الأشجار… لاحظت أنَّ جدَّتي تتحدَّث كثيراً في غير عادتها وتعجبت كيف يوفِّق أبَّا بين متابعة ما تقوله جدَّتي والتَّسبيح بسبحته… تابعت تتالي حبات مسبحته في حركتها الدَّائرية، أحسست بنعاس خفيف وتماديت أكثر… أعتقد أنَّني نمتُ لمدَّة رمشة العين وخُيِّل لي أثناءها أنَّني سمعت القبلة تغني: الفرقة هينة قاسي اللُّمة تومي الوقت تمَّ…

نزلنا سهلاً ممتدَّاً تكثر فيه حبات الحصى بلونها الذَّهبي وشجيرات قضيم وأندراب تكسر امتداد الرُّؤية… حاذينا شجيرة… سمعنا صوت بين التفجيع والغناء… لعنت جدَّتي الشَّيطان وبسملت أما أنا فقد كنت أناقش منطقية أن يكون مصدر الصَّوت شيطان… 

غيَّر أبَّا اتجاه سيرنا نحو مصدر الصوت… ملابس معلقة على الشُّجيرة، تقدمنا قليلاً… سمعنا الصَّوت واضحاً "تعيبانه عطشانه جيعانه ألبردي ألمسحي آكولي أشربي نومي امباكر تكبري لأمِّكي توردي ولأبوكي تغسلي". كانت الحمارة مربوطة على الشُّجيرة وسيَّدنا يغرف الماء بإبريقه من حفرة تحت الشُّجيرة ويدلجه على الجحش. ألقى أبَّا التحيَّة فتحوَّل سيِّدنا إلى شبه تمثال علقت كلمة بين شفتيه منحنياً والإبريق بيده يلامس سطح ماء … 

علونا مرتفعاً وهبطنا منخفضاً أكثر خضرة وحيويَّة… أومأت إليَّ جدَّتي أن أسير خلف أبَّا وتبعتني… كان المنخفض واسعاً تكثر فيه النباتات المتسلقة… كنت أسمع حركة سير جدَّتي من خلفي… مشينا مسافة… أردت أن ألتفت لكني تذكَّرت ما كانت تقوله لي جدَّتي: الراجل كن ماشي ما واجب يلَّفَّت ورايه… قصَّرت خطواتي… توقفت… أغمضت عينيَّ والتفت…ولم أبك. علت رؤوس الأشجار سحابة صغيرة، غطت الشَّمس ومالت خلفنا وأحسنت تلوين الأرض… 

وجدت صعوبة في الاندماج مع من صرت واحداً منهم… فهم لا يتكلمون ولا ينامون كثيراً كما نفعل في النَّزل وليس لهم طعاماً ولا شراباً وليس لهم أسماء، ينادون بعضهم بصيغة الضَّمائر المنفصلة أمَّا أبَّا يُشار إليه بصيغة الفاعل المفرد المذَّكر الغائب المستتر في الفعل التَّام… ليس بينهم آمر ولا ناهي يتصرفون بحرية وفي مساحة مفتوحة… بدا لي أنَّ نهارهم وليلهم أقصر من نهار وليل النَّزل، كأنَّ الشَّمس تشرق وتغيب مرتين في اليوم… يوم ويومان وفي اليوم الثالث أكلت شيئاً بطعم الماء، ليس له رائحة وفهمت أنَّ أبَّا جاء وعاد…

وضع أحدهم يده اليمنى على قفا يدي اليمنى وافرد سبابتها راسماً على الأرض خطَّاً قصيراً مستقيماً ثمَّ شكلاً كقرني البقرة تحته نقطة وآخر فوقه نقطتان وثالث فوقه ثلاث ورابع… وتركني. احترت ماذا أفعل… بدأت متعجباً أتأمل تلك الأشكال وبدا لي أن كل شكل أنظر إليه يتحرك… وقفت فارتفعت الأشكال قليلاً من على الأرض، تراجعت فتقدمت الأشكال نحوي… ارتجفت من رأسي إلى قدمي ودارت بيًّ الأرض…

كانت الأشكال تتراءى أمامي بوضوح وكل شكل أنظر إليه أرى فيه القبلة: الخط القصير المستقيم القبلة واقفة، قرنا البقرة تحته نقطة القبلة تنهض، القبلة تبتسم، القبلة تنام، القبلة… وشعرت بدفء يد أبَّا على رأسي… 

كان الوقت أقصر من أن يُعد والأشكال اقترنت بالألفاظ والألفاظ بالجُمل والجُمل بالمعاني والمعاني سمت بالروح وانهزم الجسد… كل شيء يمكن التَّأمل فيه والتَّواصل معه، الصَّمت عفَّة روح ومصدر عزيمة… 

بينما كنت جالساً أسند ظهري على جزع شجرة أتأمل الأشياء الَّتي أمامي غشتني غفوة قصيرة رأيت أثناءها جدَّتي طفلة صغيرة تلبس قميصاً أبيض… ومن حيث لا ندري ظهر أبَّا يحمل إلينا خبر وفاة جدَّتي وقرأنا الفاتحة على روحها. 

تحررت إلا من القبلة… هي موجودة في قلبي قبل أن أكون، وحدها تستطيع أن تجعل للأشياء معناً وللألفاظ دلالات في صمتي، تدفعني أن أطأ بقدميَّ كل شبر من الأرض بحثاً عنها… 

ظهر أبَّا فجراً وكأنَّه خرج مع الشَّمس وظلَّ معنا حتى دارت الشمس دورتها وتفرقنا مجموعتين لا نملك أغراضاً إلا أجسامنا تحملها أرواحنا… قرأ أبَّا الفاتحة وظلَّ واقفاً وأنا بجواره حتى غاب الآخرون بين الأشجار ثم تحركنا باتجاه شروق الشمس وكأنَّنا ندُّخل قرصها… شعرت برجفة خفيفة بعدها أحسست وأنا أمشي خلف أبَّا أن الأرض تطوي نفسها وأن الشمس والقمر يتسابقان… 

بيوت من القش شبه متراصة تتخللها طرق مستقيمة ومتعرجة، شممت رائحة كرائحة القطران… سلكنا طريقاً وعرجنا إلى أخرى وانتهينا إلى باحة واسعة فرأينا صبية كثر متراصون في مجموعات متقابلة نحو رجل يلبس ملابس ضيقة وتعلو رؤوسهم حديد طويلة في عاليها ترفرف قطعة قماش ذات ألوان مختلفة. خطب فيهم الرجل… سكت وغنى الصِّبية بصوت واحد… صرخ فيهم فتحركوا متتابعين في مجموعاتهم كالبقر عند عودتها إلى النَّزل مساء وتداخلت أصواتهم داخل بيوت من القش شكلها من الخارج يُشبه فرس البحر… 

قادنا صاحب الملابس الضَّيقة إلى مدخل دار بداخلها ثلاثة بيوت من القش تبدو كالأهرامات، محاطة بقش المحريب المضفور بلحاء اللَّيون… استقبلتنا صبيَّة رجف لها قلبي لكني أعدت إليه توازنه حين جعلت يدي تلامس من الخارج شريط الخدُّور في جيبي… أشارت إلينا الصَّبيَّة إلى بيت منعزل وتركتنا مبتسمة… 

جلسنا أبَّا وأنا على برش أحمر كتلك التي تُفرش للعريس بعد ليلة دُخلة موفَّقة… دخل علينا رجل ممتلئ صحة ونشاط… شرد ذهني مع الذِّكريات وهامت روحي تبحث عن القبلة… وعدت أسترق النظر إلى الرجل: أشيب الرأس قليلاً كالعجل المولد من ثور الجاموس حليق الشوارب واللحية أملس الوجه كنقعة اللِّعب تميل بشرته إلى البياض مقارنة بالآخرين وملابسه بيضاء وحذاءه أسود كطنجرة الفخَّار وخطر على بالي عرض أم القبلة لمن يريد أن يتزوَّج ابنتها… 

بقيت وحدي داخل دار الضُّيوف… أعدت ملامح الصَّبيَّة التي استقبلتنا وفي الحقيقة قارنتها مع القبلة: بشرة وجهها أكثر طراوة ودمها أكثر صفاء وشعرها أطول مصفف إلى الخلف بعناية وفتحتي أنفها أقلّ وسعاً وبعنقها ثنايا كثنايا الثوب وبأسنانها البيضاء فلجة ولسانها كرقاقة لحم ولؤلؤتان على صدرها كلؤلؤتي ديك جدَّتي تخفيهما كما تخفي الدجاجة فراخها… أخرجتُ شريط الخدُّور من جيبي وغنيت في سري: يا الخدُّرايه أبقي الطَّيرايه أمشي الفلا جيبي ليِّ خبر الغزالايه بنطيك تمرايه، يا الخدُّرايه…

تطابقت الأشياء وظلالها … تمددت على ظهري وكان من حولي أبِّا ومضيفنا ورجل آخر… أمروني فسحبت لباسي حتى صدري ومرَّر أبَّا يده اليُمني من على صرَّتي إلى أسفل محسني وحلمت أنَّني أبول على فراشي… عندما استيقظت اكتشفت أن لحمة أستأصلت من مقدمة آدمي… لو كنت في النَّزل وكانت القبلة موجودة لوضعت اللَّحمة المستأصَلة خاتماً حول بنصرها… 

غابت الشَّمس واستسلمت الأجسام المتعبة لموت مؤقَّت… حاولت النوم فلم أستطع… الفيل ما بنربط بالخيط، هكذا كانت تقول جدَّتي… قطعتُ السَّلاسل واخترقت الظُّلمة… صعدت الأعالي ونزلت السهول وأعماق البحور… أين أنت يا القبلـة، أين! شعرت بدخول أبَّا مخترقاً الظَّلمة وجلس بجواري صامتاً ثم وضع يده على مقدمة رأسي مدَّة واختفى…

وصل الغول إلى قصره عند نهاية الأرض… كان قصره شجرة طويلة ملساء تكاد تلامس السَّماء وغنى: قصر أبوي ألقاصر لي وتقاصرت الشجرة وأدخل الغول زي في قصره وغنى: قصر أبوي أطَّاول لي وتطاولت الشجرة. كان الغول يمضي نهاره وليله في صيد الغزلان… يغيب أيَّاماً ثم يعود وعلى فمه غزالة… وفي طريقه راكضاً يغني: زي يا زي بتشبه الجِدي دودلي قرينكِ لي… وتسمعه زي من بعيد وترد عليه: الغول الغول راجل الخلا المنعول شن أبلاني بيك… حتى يصل الغول ويقول: قصر أبوي ألقاصر لي وتتقاصر الشجرة ويترك الغول الغزالة أمام زي ويقول: قصر أبوي أطَّاول لي وتتطاول الشجرة… وصل ابن خالة زي، رفع رأسه ورأى زي تبدو صغيرة في أعلى الشجرة وغني: زي يا زي بنيت الخالة شيفي عريسك شن حاله… فردت عليه زي: يا وليد الخالة الريده في القلب وقليبي مرقد ألمي ما بيبدل حاله…. 

ارتخت عضلات وجهه وأصبحت نبرة صوته كبدايات الموسيقى… تثاءب… ألقى بكامل ثقل ظهره على ما كان يجلس عليه… أشهق وأزفر… حرَّك شفتيه وتلمَّط… تململ قليلاً وابتسم كمن أنهى قراءة كتاب أعجبه. 


نهاية ك1/04 

Portrait antιrieur

Tahrik An-nas (Qisas Qisirat)

par Ahmed Jabear

Prochain portrait

A ghanitan          Burdyun wa durawish          Une piθce de thιatre

Huriya Al-'in Benat Melik Al-Bahar     Lignes qui nous guident sur le chemin

perspective globale        Tahrik An-nas

Pour contacter l'artiste Ahmed Jabear directement, vous pouvez l'envoyer un e-mail ΰ albithrah@yahoo.com

Nous invitons tou(te)s les artistes tchadien(ne)s d'aucun spιcialitι (ιcrivains, musiciens, portraitistes, sculpteurs...) de nous envoyer des extraits, des photos ou des cassettes de l'art qu'ils ont produit, pour que nous puissions vous donner une salle d'exposition dans notre galerie d'art tchadien au Tchad Virtuel. Votre salle comprendra une description biographie avec photo. Cela donnera l'occasion au monde entier de mieux vous connaξtre, et vos ouvrages. Si votre contribution rιpond aux critθres demandιs, nous vous donnerons une adresse e-mail spιcifique, pour que les intιressιs puissent vous contacter de partout dans le monde sur toute question sur vos oeuvres, mκme si vous habitez loin d'un lien internet actuellement. Si cela vous intιresse, ιcrivez-nous!

Ιcrivez-nous!